سلسلة الفقه المعاصر 6
القمار، المسابقات، التسلية دراسة فقهية استدلاليّة
مقدمة
عندما رأى الإنسان أنه يعيش إلى جانب الآخرين من أبناء نوعه، وأحسّ أنّ علاقته بهم توجب راحته وتقدّمه.. صرف قسماً من آنات عمره في المسابقات والمباريات، إما بشكل مباشر أو غير مباشر.
ومنشأ هذا الأمر ـ إضافةً إلى التسلية، والفرح، وتمضية الوقت بالانبساط والإنشراح ـ ملأ الفراغ من هذا الوقت، وكسب الدخل المادي، وربما أحياناً كسب أرباح كبيرة على الصعيد المادي، فلو لم يكن حسّ التباري والسعي للامتياز عن الآخرين والتقدّم عليهم وإبراز محاسن الذات وعناصر قوّتها موجوداً لم يحصل في حياة البشر تقدّم ولا بلوغ للإمكانات، والرفاه، والسعادة، والاستقرار، أو على تقدير وجود هذه الأشياء لم تكن لتوجد بهذه السرعة لولا الحسّ المذكور.
واليوم يعتمد الأفراد، والشركات، والمؤسّسات الخاصة والحكومية، بل وما هو أعلى من ذلك ـ كالدول والبلدان ـ على هذا الأمر، فتسعى يوماً بيوم لجعل منتوجاتها أكثر تقدّماً، ودقةً، وإمكانيةً من الآخرين، لتقدّم ما عندها للمجتمعات البشرية والمستهلكين، ومن هذا المنطلق نفسه تقام في بعض الأحيان مسابقات علمية تعطى فيها جوائز قيّمة، تهدف إلى اكتشاف النخب والعناصر الممتازة في المجتمع.
وعلى أية حال، فقد كانت هذه المسابقات فيما مضى من زمان تختصر في التباري برمي الأحجار، والرماح، أو في الصيد، إلاّ أنّ مرور الأيام طوّرها لتشمل مختلف ألعاب القوى واختبارها، مثل: المصارعة، والركض، ثم النبال، وركوب الخيل و... إلى أن وصلت إلى إبداء الإنسان تميّزه في الكتابة والتخطيط، والسرعة، والحفظ.. بحيث أن تعداد ألوان المباريات والمسابقات اليوم لم يعد أمراً سهلاً.
اليوم، وفي تمام أقطار العالم، ملأت المسابقات الدنيا، حيث يشارك الناس جميعاً، كلٌّ حسب ثقافته ومنطقته، بهذه المسابقات، إجراءً واستقبالاً وترحيباً و.. وهذا التعدّد والتنوّع صار أساساً لأفكار وأهداف مختلفة عن تلك التي دفعت في الماضي إلى فعلها، فالباعث اليوم على هذه البرامج والنشاطات ليس مجرّد التسلية، والفرح، والرياضة، أو تمضية الوقت، بل صارت لها أهداف سياسية كبرى، وكذلك ثقافية، وبالأخص اقتصادية، مما يعيه أبسط الناس وأقلّهم اطلاعاً، ولماذا لا تغدو كذلك والحال أنّ عدداً كبيراً من البرامج التلفزيونية، والفضائيات، والصحف، والمجلات، وسائر وسائل الاتصال الجمعي، صار مخصصاً لها، وبأقلّ قدر من التأمل والتفكير نعرف كم هي المداخيل المالية الهائلة والأرباح المذهلة التي تحصل جراء إقامة هذه المسابقات، وكم ظهرت فرص عمل وأنواع شغل خاصّة بإقامة هذه المباريات، حتى أنها شغلت الكثير من المجتمعات المختلفة وشرائحها: الشاب والعجوز، الرجل والمرأة، الصغير والمراهق، المجتمعات الإسلامية وغيرها.
والأهم من ذلك كلّه، أن فريقاً من المؤمنين، من حيث شاء أو لم يشأ، صار مرتبطاً بهذه البرامج والأنشطة، وكما قيل سابقاً، فإن المجتمعات الإسلامية تعاملت مع هذه البرامج بوصفها واقعاً خارجاً عن السيطرة، وهو ما جعل رجال الفكر والثقافة والمتولّين لأمور الدين مضطرّين لدارسة هذه الظاهرة دراسةً دينية وتحليلها طبقاً لمعطيات الدين نفسه.
والجدير ذكره أنّ الأديان لم تتوانَ عن التشجيع على إقامة المسابقات والمباريات، بل سعت لترويج بعضها، فقد دعم الإسلام مسابقات الإبل والرمي، والفروسية، وقد وردت الروايات العديدة الكثيرة الدالة على جوازها، كما سوف يأتي إن شاء الله تعالى.
وقد أدى ذلك كلّه ـ في الماضي والحاضر ـ إلى تداعي جملة أسئلة طرأت على أذهان المتشرّعة والمتدينين من جهة، وشغلت عقول العلماء والفقهاء بوصفهم المتولّين للأمور الدينية، من جهة أخرى، ويمكن العثور على هذه الأسئلة من بين ما كتب وقيل، وذلك من نوع الأسئلة التالية:...
فهرست:
» مقدمة
» معنى المسابقة
» 1 ـ المسابقة بآلات القمار مع العوض والمقامرة
» أ ـ الآيات
» ب ـ الروايات
» 2 ـ المسابقة واللعب بآلات القمار دون عوض ومقامرة
» أولاً: قصور الآيات القرآنية عن الشمول
» ثانياً: قصور الروايات الشريفة عن الشمول
» 3 ـ المسابقة بغير آلات القمار عن عوض ورهن
» أولاً: الآيات القرآنيةً
» ثانياً: الروايات الشريفة
» وقفة مع حديث «لا سبق»
» ثالثاً: دليل الإجماع
» رابعاً: صدق مفهوم القمار
» 4 ـ المسابقة بغير آلات القمار بلا عوض ورهان
» نتيجة البحث
» المصادر والمراجع