سلسلة الفقه المعاصر(2)
الربا الاستثماري
الشيخ يوسف الصانعي
ترجمة: حيدر حب الله
مقدّمة
يدين الفقه الإسلامي ـ الذي يستمدّ حياته ونضارته من القرآن والسنّة ـ طيلة عمره الذي تجاوز الألف عام لجهود الفقهاء والمجتهدين، ولم يتمكّن هذا الفقه طيلة هذا الزمان الطويل من ترك بصماته على حياة المسلمين فحسب، بل أثار دهشة المدارس الحقوقية الأخرى كلّما حصل اقتراب منها أو تقارب.
إن حياة هذا الفقه ونضارته إنّما يتحققان في سياق الاجتهاد الحقيقيّ الحيّ والحيويّ للفقهاء، فإذا ما مارس المجتهدون الاجتهاد، ولم يقبعوا في جمود الأخبارية بل بذلوا قصارى جهدهم، ووظّفوا تمام طاقاتهم وإمكاناتهم، متجنبين الاكتفاء ببعض المصادر الروائية والفقهية، وهو ما كان سائداً ومتعارفاً في أوساط الفقهاء الحقيقيين، لأضافوا كل يوم على هذا الفقه الإسلامي الشيعي غنىً، وبثّوا فيه روحاً جديدة و... نعم، يكون ذلك بمطالعة ذلك التراث العريق الألفيّ للفقه من جهة، كما وإحضاره في خضمّ التحوّلات العاصفة في حياة الإنسان، بما فيها من تأرجحات ونجاحات وإخفاقات.
إنّ اهتمام الفقهاء بالثغرات والحاجات التي يعاني منها الفقه، والاستفادة من الاختصاصات ذات التأثير في عملية الاجتهاد، ووضع حدود فاصلة بين احترام الفقهاء الماضين وبين تناول أفكارهم ونظرياتهم الفقهية بالنقد والمناقشة، وتجنب الانشغال وإغراق الذات في الفروع الفقهية النادرة، قليلة الابتلاء، إلاَّ عندما تمسّ الحاجة إلى ذلك أو الاستفتاء.. ذلك كلّه، من العوامل المؤثّرة في ترشيد النشاط الفقهي، ورفع شأو الفقه ومكانته.
إنّ تطوّر العلوم والتقانة من جهة، وانبساط العلاقات البشرية حتى تقاربت معها أنماط الحياة وأشكال العيش من جهة أخرى، يلحّان على الفقه الإسلامي بأسئلة جادّة لا مفرّ له من مواجهتها، ولا يكفي في هذا المضمار بعض الأجوبة النمطية أو إحالة القضايا إلى التعبّد في المجالات جميعها، لهذا كان واجباً على الفقهاء المتمسّكين بالاجتهاد الحقيقي، تقديم أجوبة ذات قوّة إقناعية، وذلك لإشباع العقول الفاحصة، والأذهان الباحثة عن الحقيقة، لا المعاندة.
إننا نعتقد أنّ الفقه الإسلامى ـ الشيعي يملك من القدرة ما يستطيع به تقديم هذا النوع من الأجوبة، إنّه قادر على الخروج مرفوع الرأس من مسؤولية المعضلات العالقة والاستفهامات الكبيرة برمّتها، شريطة أن تؤخذ أصول الاجتهاد بعين الاعتبار.
ونحاول هنا استعراض جملة من المبادئ التي نؤمن بها ونعمل على وفقها، وهي المبادئ عينها التي وظّفناها في كتاباتنا هذه:
1ـ اعتقد كبار فقهاء الإسلام على الدوام بأنّ القرآن الكريم هو المصدر الأوّل للاجتهاد، ولم يغفلوا في فتاويهم الفقهية عنه، إننا نعتقد أنّه كلّما تضاعف اهتمامنا أكثر بالآيات القرآنية، وزاد وتعمّق، اقترب الاجتهاد ودنت الفقاهة من الحق والصواب، وهو ما سيؤدّي ـ تلقائياً ـ إلى تلاشي الكثير من الفتاوى والاجتهادات المخالفة ليسر القرآن وسماحته، أو غير المؤهّلة للتنفيذ والتطبيق.
يؤكّد القرآن الكريم فى آيات عدّة، وفي سياق بيانه للأحكام الشرعية، على مبدأ اليسر والسماحة، وبعبارة أخرى إنّه يقوم بـ تشييد مبدأ إمكانية التطبيق، وإذا أردنا تناول أحد الأمثلة على ذلك هنا للاحظنا كيف تحدّث الله تعالى في ستّ آيات عن تيسير القرآن ـ بشكل عام ـ وتسهيله، قال تعالى:
(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُدَّكِر) ]القمر: 17[([1])، كما سهّل الطريق: ( ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ )]عبس: 20[، كما تحدّثت بعض الآيات عن التيسير والتسهيل، لدى حديثها عن تلاوة القرآن([2])، وذبح الأضحية فى الحج([3])، مقعّدةً قانوناً عاماً بقولها: (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) ]البقرة: 185[.
إننا نعتقد بأنّ اليسر والعسر بإمكانهما أن يكونا معايير حقيقيّة لتقويم اجتهاداتنا الفقهية، ذلك أنّ الكلام المذكور كلام خالد، جامع، وعام أيضاً، ومن ثم لابد أن يستوعب تمام التساؤلات ليجيب عنها، ولن يكون لضمّ هذا الأمر مع سائر الأحكام الثانوية ومع الاضطرار والضرورة تأثير على الحكمة من التشريع.
...
فهرست:
:: فهرس
» مقدّمة
» 1ـ عرض المسألة
» 2- أنواع الربا
» 3ـ أدلّة حرمة الربا
» الدليل القرآني
» الدليل الروائي
» 4ـ نظريتنا الخاصّة
» أ ـ الربا المعامليً
» ب ـ الربا القرضي
» أدلّة حليّة الربا الاستثماري
» الدليل الأوّل
» الدليل الثاني
» الدليل الثالث
» الدليل الرابع
» الدليل الخامس
» الدليل السادس
» الدليل السابع
» الدليل الثامن